خاطرة فيها العبر...
عندما تمسك بالقلم وتحاول أناملك أن تخط كلمات هي ليست مجرد كلمات , بل هي عبرات مكبلة تحاول أن تجد لها مخرجا من بين قضبان الجهل والفقر التي أطبقت على أنفاسنا حتى كدنا نختنق , ولكنها تحاول لعلها تمر على قلب حي فتوقظ فيه غفلة كان يظنها سكرات الموت فإذا بها أنات الحياة تستغيث بأي زائر يمر عليها لتشعره أنها لا زالت على قيد الحياة , أنها لم تسلم الراية بعد وأنها تستطيع .
نعم هي تستطيع أن تشق طريقها وتصرخ صرخة تعيد لها طعم الحياة الذي نسيت مذاقه حتى !! كيف لا وهي تقطن في عالم يضج بالأحياء الأموات الذين يحاولون عبثا إيهامها أنها ميتة هي أيضا ولكنها تأبى فهي تعلم علم اليقين أنها هي الحياة وهل تموت الحياة؟! هل تموت الفكرة ؟! هل يفنى المبدأ !!!
أسمعتم يوما أو قرأتم عن نعي فكرة عاشت في قلب حي فأصبحت زاده وعتاده , وحتى لما فني الجسد أهدت له لحن الخلود الذي سيعزفه كل حي فهم سر الحياة وجوهرها .
فهم أن الحي هو من عاش لفكرة ظل يحلم بها , ويرسم صورتها بريشته المبدعة حتى رآها واقعا يمشي على قدميه, تلك الفكرة اقتاتت من قلبه وعقله ووجدانه قبل أن تصبح كائنا حيا يتنفس ويرى النور, ولأنه آمن بها وبذل من أجلها فلقد منحته الحياة الأبدية التي لا تنتهي بانتهاء الجسد بل تبقى حية تتجسد في كل حي آمن بها وعمل لها .
ذلك هو الحي الذي نبتغيه , وتلك هي الحياة التي ننشدها , هو ذلك الإحساس الذي يعترينا ويرقى بأرواحنا , إحساسنا بأننا أحياء , بل إن الحياة خلقت لنا لنسعد بها نسعد بأعمالنا وأحلامنا معا , ونسعد كل من لامس صدى رؤانا واقعهم وآمالهم .
ولقد أعجبتني كلمات قرأتها تدور في هذا المعنى يقول فيها الكاتب الذي يفيض قلمه بالحياة:
" لا حياة لفكرة لم تتقمص روح إنسان , ولم تصبح كائنا حيا دب على وجه الأرض في صورة بشر , كذلك لا وجود لشخص لا تعمر قلبه فكرة يؤمن بها في حرارة وإخلاص "
وقد قيل أيضا :
" إذا لم تزد شيئا على الحياة كنت أنت زائدا عليها "
إذا لم يتململ ليلك لفكرة تؤرقه , وتداعب أجفانه الناعسة , فما متعة الحياة وما لذتها وما قيمتها !!!
فلماذا تقتل نفسك وتأبى إلا أن تقطن في عالم ليس عالمك وتلبس لباسا ليس لك , أنت بخوائك ميت ولو رآك كل الناس حي .
أما آن الأوان بأن تخلع عنك ثياب الموت , وتنتفض موقنا أن هذا الكون خلق لك , سخر خصيصا لتتحفنا بإبداعك فيه , ولتشهد البشرية آثار أفكارك النيرة في أرجائه .
فلو تقاعست أحلامك عن شد الرحال ونيل المراد وأعجبتها لعبة الموت فأيقظ الرغبة بداخلك وأسرج خيل العزيمة واطرق باب الأمل حينها ستتبعك أمالك وترقى بك أفكارك وتصبح الدنيا كلها رهن إشارتك ولن يوقفك أحد وتذكر:
ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء
ففز بعلم تعش حيا به أبدا الناس موتى وأهل العلم أحياء